إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ،
ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له
، ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله ...
أما بعد :
البيت نعمه
قال الله تعالى :
" والله جعل لكم
من بيوتكم سكناً " .
سورة النحل الآية 80 .
قال ابن كثير – رحمه الله - : "
يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده ،
بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم
يأوون إليها ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع " .
ماذا يمثل البيت لأحدنا ؟ أليس هو
مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته ؟
أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ؟
أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها
؟! قال تعالى :
" وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
سورة الأحزاب الآية : 33
وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا
بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ ، أو على
أرصفة الشوارع ، واللاجئين المشردين في
المخيمات المؤقتة ، عرفت نعمة البيت ،
وإذا سمعت مضطربا يقول ليس لي مستقر ، ولا
مكان ثابت ، أنام أحيانا في بيت فلان ،
وأحيانا في المقهى ، أو الحديقة أو على شاطئ
البحر ، ومستودع ثيابي في سيارتي ؛
إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة
البيت .
ولما انتقم الله من يهود بني
النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم
فقال تعالى :
" هو الذي أخرج الذين كفروا من
ديارهم لأول الحشر " .
ثم قال :
" يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا
يا أولي الأبصار " .
سورة الحشر ، الآية : 2
والدافع عند المؤمن للاهتمام بإصلاح بيته عدة أمور :
أولا :
وقاية النفس والأهل نار
جهنم ، والسلامة من عذاب الحريق :
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا
وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون "
سورة التحريم ، الآية : 6
ثانيا :
عظم المسئولية الملقاة على
راعي البيت أمام الله يوم الحساب :
قال صلى الله عليه وسلم :
" إن
الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ،
حتى يسأل الرجل عن أهل بيته }
ثالثا :
أنه المكان لحفظ النفس ،
والسلامة من الشرور وكفها عن الناس ،
وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة :
قال صلى الله عليه وسلم :
" طوبى
لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته " .
وقال صلى الله عليه وسلم :
" خمس
من فعل واحد منهن كان على الله ، من عاد مريضا ،
أو خرج غازيا ، أو دخل على إمامه
يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعد في بيته
فسلم الناس منه وسلم من الناس " .
وقال صلى الله عليه و سلم : "
سلامة الرجل من الفتنة أن يلزم بيته " .
ويستطيع المسلم أن يلمس فائدة هذا
الأمر في حال الغربة عندما لا يستطيع لكثير
من المنكرات تغييرا ، فيكون لديه ملجأ
إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرم
والنظر المحرم ، ويحمي أهله من التبرج
والسفور ، ويحمي أولاده من قرناء السوء .
رابعا :
أن الناس يقضون أكثر
أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم ،
وخصوصا في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار
وأول النهار وآخره ، وعند الفراغ من العمل
والدراسة ، ولا بد من صرف الأوقات في
الطاعات ، وإلا ستضيع في المحرمات .
خامسا :
وهو أهمها ، أن الاهتمام
بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم ،
فإن المجتمع يتكون من بيوت هي
لبناته ، والبيوت أحياء ، والأحياء مجتمع ،
فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعا قويا
بأحكام الله ، صامدا في وجه أعداء الله ،
يشع الخير ولا ينفذ إليه شر .
فيخرج من البيت المسلم إلى المجتمع
أركان الإصلاح فيه ؛ من الداعية القدوة ، وطالب العلم،
والمجاهد الصادق ، والزوجة
الصالحة ، والأم المربية ، وبقية المصلحين .
فإذا كان الموضوع بهذه الأهمية ،
وبيوتنا فيها منكرات كثيرة ، وتقصير كبير ،
وإهمال وتفريط ؛ فهنا يأتي السؤال الكبير ؟؟
ما هي وسائل إصلاح البيوت ؟.
وإليك أيها القارئ الكريم الجواب ،
نصائح في هذا المجال عسى الله أن ينفع بها ،
وأن يوجه جهود أبناء الإسلام لبعث
رسالة البيت المسلم من جديد .
وهذه النصائح تدور على أمرين : إما
تحصيل مصالح ، وهو قيام بالمعروف ،
أو درء مفاسد وهو إزالة للمنكر .
وهذا أوان الشروع في المقصود .
تكوين البيت
نصيحة "1" : حسن اختيار الزوجة
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء
يغنهم الله من فضله والله واسع عليم "
سوره النور الآية 32
ينبغي على صاحب البيت انتقاء
الزوجة الصالحة بالشروط التالية :
1.
" تنكح المرأة لأربع :
لمالها ، ولحسبها ، ولجملها ، ولدينها ،
فاظفر بذات الدين تربت يداك "
متفق عليه .
2.
"الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة "
رواه مسلم 1468
3.
" ليتخذ أحدكم قلبا
شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة "
رواه أحمد " 5/282"
والترمذي وابن ماجه عن ثوبان صحيح الجامع 5231
4.
وفي رواية
" وزوجة صالحة
تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس "
رواه البيهقي صحيح الجامع 4285
5.
" تزوجوا الودود الولود
إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة "
رواه أحمد و هو صحيح الإرواء 6/ 195
" عليكم بالأبكار فإنهن أنتق رحما
، وأعذب أفواها ، وأرضى باليسير " .
وفي رواية " وأقل خبا " أي : خداعا رواه ابن
ماجة السلسلة الصحيحة 623
وكما أن المرأة الصالحة واحدة من
أربع من السعادة ، فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء ،
كما جاء في الحديث
الصحيح و فيه قوله :
" فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها
فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن السقاء :
المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها
عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك "
رواه ابن حبان وهو في السلسلة
الصحيحة 282
وفي المقابل لابد من التبصر في حال
الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة ،
والموافقة عليه حسب الشروط التالية :
" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه
فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
ولابد في كل ما سبق من حسن السؤال
وتدقيق البحث وجمع المعلومات والتوثق من المصادر
والأخبار حتى لا يفسد البيت أوينهدم .
والرجل الصالح مع المرأة الصالحة
يبنيان بيتا صالحا لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ،
والذي خبث لا يخرج إلانكدا .
نصيحة " 2 " السعي في إصلاح الزوجة
إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت
وهذا من فضل الله ، وإن لم تكن بذاك الصلاح ،
فإن من واجبات رب البيت السعي في
إصلاحها . وقد يحدث هذا في حالات منها :
أن يتزوج الرجل امرأة غير متدينة
أصلا ؛ لكونه لم يكن مهتما بموضوع التدين هو نفسه
في مبدأ أمره ، أو أنه تزوجها على
أمل أن يصلحها ، أو تحت ضغط أقربائه مثلا ،
فهنا لابد من التشمير في عملية الإصلاح
ولابد أن يعلم الرجل أولا أن
الهداية من الله ، والله هو الذي يصلح ،
ومن منه على عبده زكريا قوله فيه : "
وأصلحنا له زوجه "
سورة الأنبياء ، الآية 90
سواء كان إصلاحا بدنيا أو دينيا ،
قال ابن عباس : كانت عاقرا لا تلد فولدت ،
وقال عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها
الله ولاستصلاح الزوجة وسائل منها :
1.
الاعتناء بتصحيح عبادتها لله بأنواعها على ما سيأتي تفصيله .
1.
السعي لرفع إيمانها في مثل :
2.
حضها على قيام الليل .
3.
وتلاوة الكتاب العزيز .
4.
وحفظ الأذكار والتذكير بأوقاتها ومناسباتها .
5.
وحثها على الصدقة .
6.
قراءة الكتب الإسلامية النافعة .
7.
سماع الأشرطة الإسلامية المفيدة ؛
العلمية منها والإيمانية ومتابعة إمدادها بها .
8.
اختيار صاحبات لها من أهل الدين تعقد معهن أواصر الاخوة ،
وتتبادل معهن الأحاديث
الطيبة والزيارات الهادفة .
9.
درء الشر عنها وسد
منافذه عليها ، بإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء .
الإيمانيات في البيت
نصيحة " 3 " : اجعل البيت مكانا لذكر الله
قال صلى الله عليه وسلم : "
مثل البيت الذي يذكر الله فيه ،
والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " .
فلابد من جعل البيت مكانا للذكر
بأنواعه ؛ سواء ذكر القلب ، وذكر اللسان ، أو الصلوات وقراءة القرآن ، أو مذاكرة
العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة .
وكم من بيوت المسلمين اليوم هي
ميتة بعدم ذكر الله فيها ، كما جاء في الحديث ، بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر
فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء ، والغيبة والبهتان والنميمة ؟! …
وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي
والمنكرات ، كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم ، أو الجيران
الذين يدخلون البيت ؟!
كيف تدخل الملائكة بيتا هذا حاله
؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر .
نصيحة " 4 " : اجعلوا بيوتكم قبلة
والمقصود اتخاذ البيت مكانا
للعبادة .
قال الله – عز وجل - :
" وأوحينا
إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا
واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة
وبشر المؤمنين "
سورة يونس الآية 87
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها
مساجد .
قال ابن كثير : " وكان هذا - والله
أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه ،
وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة
الصلاة كما قال الله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة "
سوره البقرة الآية 153 . وفي الحديث :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر
صلى " .
وهذا يبين أهمية العبادة في البيوت
وخصوصا في أوقات الاستضعاف ،
وكذلك ما يحصل في بعض الأوضاع عندما لا يستطيع
المسلمون إظهار صلاتهم أمام الكفار .
ونتذكر في هذا المقام أيضا محراب مريم وهو
مكان عبادتها الذي قال الله فيه :
" كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا "
سورة آل عمران الآية 37
وكان الصحابة – رضي الله عنهم –
يحرصون على الصلاة في البيوت – في غير الفريضة –
وهذه قصة معبرة في ذلك : عن محمود
بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن مالك –
وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم
، وهو ممن شهدوا بدرا من الأنصار-
أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
يا رسول الله ! قد أنكرت بصري وأنا اصلي لقومي ،
فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي
بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ،
وددت يا رسول الله أنك تأتيني
فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ،
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" سأفعل –
إن شاء الله - " .
قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر حين
ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل
البيت ، ثم قال : " أين تحب أن أصلي في بيتك ؟
" قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت
، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فكبر ،
فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم .
رواه البخاري الفتح 1/519
نصيحة " 5 " : التربية الإيمانية لأهل البيت
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا
عائشة " .
رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23
وقال صلى الله عليه وسلم :
رحم الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت ،
فإن أبت نضح في وجهها الماء " .
رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488
وترغيب النساء في البيت بالصدقة
مما يزيد الإيمان ،
وهو أمر عظيم حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله :
يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار "
. رواه البخاري ، الفتح 1/405
ومن الأفكار المبتكرة وضع صندوق
للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين ،
فيكون كل ما دخل فيه ملكا للمحتاجين ؛ لأنه
وعاؤهم في بيت المسلم .
وإذا رأى أهل البيت قدوة بينهم يصوم أيام البيض ، والاثنين
والخميس ، وتاسوعاء ، وعاشوراء ،
وعرفة ، وكثيرا من المحرم وشعبان ، فسيكون دافعا
لهم على الاقتداء به .
نصيحة " 6 " :
الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت
ومن
أمثلة ذلك :
أذكار دخول المنزل
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين
يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ،
وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند
دخوله قال : أدركتم المبيت ،
وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت
والعشاء " .
رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3
أذكار الخروج من المنزل
روى أبو داود في سننه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال :
" إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على
الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له :
حسبك قد هديت ، وكفيت ووقيت ، فيتنحى
له الشيطان فيقول له شيطان آخر :
كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟ "
. رواه أبو داود
والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499
السواك
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة
– رضي الله عنها – قالت :
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذا دخل بيته بدأ
بالسواك "
رواه مسلم كتاب الطهارة باب 15 رقم 44
نصيحة " 7 " :
مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه
وفي هذا عدة أحاديث ومنها :
فال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ،
إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة
" رواه مسلم 1/539
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " اقروا سورة البقرة في بيوتكم ،
فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة
" . رواه الحاكم في المستدرك 1/561 و هو في صحيح الجامع 1170
وعن فضل الآيتين الأخيرتين منها ،
وأثر تلاوتهما في البيت قال عليه الصلاة والسلام :
" إن الله تعالى كتب كتابا قبل
أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، وهو عند العرش ،
وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما
سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان "
رواه الإمام أحمد في
المسند 4/274 و غيره و هو في صحيح الجامع 1799
العلم الشرعي في البيت
نصيحة " 8 " : تعليم أهل البيت
فريضة شرعية لابد أن يقوم بها رب
الأسرة إنفاذا لأمره تعالى في الآية الكريمة :
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة "
سورة التحريم ، الآية :6
وهذه الآية أصل في
تعليم أهل البيت وتربيتهم ، وأمرهم بالمعروف ،
ونهيهم عن المنكر ، وإليك أيها
القارئ الكريم بعضا مما قاله المفسرون في هذه الآية ،
بشأن ما يجب على رب الأسرة :
قال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ،
وينهاهم عن معصيته ،
وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ، ويساعدهم عليه .
وقال الضحاك ومقاتل : حق على
المسلم أن يعلم أهله من قرابته
وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه .
وقال علي – رضي الله عنه - :
علموهم وأدبوهم .
و قال الكيا الطبري – رحمه الله -
: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ،
وما لا يستغنى عنه من الأدب . وإذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على تعليم
الإماء وهن أرقاء ؛ فما بالك
بأولادك وأهلك الأحرار .
قال البخاري – رحمه الله تعالى –
في صحيحه : باب تعليم الرجل أمته وأهله .
ثم ساق حديثه صلى الله عليه وسلم : "
ثلاثة لهم أجران ..
ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن
تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران "
قال ابن حجر – رحمه الله – في شرح
الحديث : مطابقة الحديث للترجمة – أي عنوان الباب –
في الأمة بالنص ، وفي الأهل
بالقياس ، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر
في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من
الاعتناء بالإماء .
وفي غمرة مشاغل الرجل ووظيفته
وارتباطاته قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله ،
فمن الحلول لهذا أن يخصص يوما
يجعله موعدا عاما لأهل البيت ،
وحتى غيرهم من الأقرباء لعقد مجلس علم في البيت ،
ويعلم الجميع بهذا الموعد ، فينضبط حضورهم فيه ،
ويتشجعوا لإتيانه ، ويصبح ملزما
أمامهم ، وعند نفسه بالحضور ،
وإليك ما حصل منه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن .
قال البخاري – رحمه الله - : باب
هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم ،
وساق حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –
قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم :
" غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوما من
نفسك ، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن "
قال ابن حجر : ووقع في رواية سهل
ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال :
" موعدكن بيت فلانة فأتاهن فحدثهن " . فتح الباري 1/195 ،
ويؤخذ من الحديث تعليم النساء في
البيوت ، وحرص نساء الصحابة على التعلم ،
وأن توجيه الجهود إلى الرجال فقط دون
النساء تقصير كبير من الدعاة وأرباب البيوت .
وقد يقول بعض القراء : هب أننا
خصصنا يوما ، وأخبرنا أهلينا بذلك ،
فما الذي يقدم في هذه الجلسات ؟ وكيف نبدأ ؟
وجواباً لذلك أعرض عليك أخي القارئ
الكريم اقتراحا في هذا الشأن يكون منهجا مبسطا ،
لتدريس أهل البيت عموما ، وللنساء
خصوصا .
تفسير العلامة ابن سعدي المسمى : "
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " .
ويقع في سبعة مجلدات مفصل بأسلوب
ميسر ، تقرا أو تقدم منه سور ومقاطع .
رياض الصالحين مع تناول أحاديثه
بشيء من التعليقات والعظات ،
والفوائد المستنبطة منها ، ويمكن الرجوع في هذا إلى
كتاب : نزهة المتقين .
" حسن الأسوة بما ثبت عن الله
ورسوله في النسوة " للعلامة صديق حسن خان .
كما أن من المهم أن تعلم المرأة
بعض الأحكام الفقهية ، كأحكام الطهارة ،
والدماء الطبيعية ،
وأحكام الصلاة والزكاة
، والصيام والحج إذا استطاعته ،
وبعض أحكام الأطعمة والأشربة ، واللباس والزينة ،
وسنن الفطرة والمحارم ، وحكم الغناء والتصوير
وغيرها ، ومن المصادر المهمة في هذا :
فتاوى أهل العلم كمجموعة فتاوى الشيخ
عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) ، والشيخ
محمد بن صالح العثيمين ، و غيرهما
من أهل العلم ، سواء المكتوب منها أو المسجل في
الأشرطة .
ومما يتضمن جدول تعليم المرأة وأهل
البيت تذكيرهم بالدروس والمحاضرات العامة
التي يستطيعون حضورها للعلماء ، أو طلبة
العلم الثقات ، لإيجاد عدة مصادر جيدة
ومتنوعة للتعليم ، ولا ينسى في هذا المجال
الاستماع إلى كثير من أنشطة إذاعة القرآن الكريم ،
وتوجيه الاهتمام إليها ، ويدخل
في إطار توفير وسائل التعليم أيضا :
تذكير أهل البيت بالأيام المخصصة لحضور النساء
في معارض الكتاب الإسلامي ،
والذهاب بهن إليها بالشروط الشرعية .
نصيحة " 9 " : اصنع نواة لمكتبة إسلامية في بيتك
مما يساعد في تعليم أهل البيت ،
وإتاحة المجال لتفقههم في الدين
وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة ؛ عمل مكتبة
إسلامية في البيت . ليس بالضرورة أن
تكون كبيرة ، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة
، ووضعها في مكان يسهل تناولها
وحث أهل البيت على قراءتها.
ركن في مجلس البيت الداخلي نظيف
ومرتب ، ومكان مناسب لشيء من الكتب ،
في غرفة نوم ، وفي مجلس الضيوف ، يتيح المجال
للفرد في البيت كي يقرأ باستمرار .
ومن إتقان المكتبة – والله يحب
الإتقان – أن تحتوي على مراجع تصلح
لبحث المسائل المختلفة ، وتنفع الأولاد في
المدارس ، وأن تحتوي على كتب ذات مستويات
مختلفة ، تصلح للكبار والصغار ، والرجال
والنساء ، وكتب من أجل الإهداء للضيوف
وأصدقاء الأولاد ، وزوار العائلة مع الحرص
على الطبعات الجذابة المحققة والمخرجة الأحاديث ،
ويمكن الاستفادة من معارض الكتاب
لإنشاء مكتبة البيت بعد استشارة أهل
الخبرة بالكتب . ومما يساعد في العثور على
الكتاب ترتيب المكتبة حسب الموضوعات ،
فكتب التفسير على رف ، والحديث على آخر ..
والفقه على ثالث .. وهكذا ، ويقوم أحد أفراد
العائلة بعمل فهرس ألف بائي وموضوعي ،
لتسهيل البحث عن الكتب . وقد يتساءل كثير
من الحريصين عن أسماء كتب إسلامية لمكتبة
البيت .
وهذه أخي القارئ اقتراحات بهذا
الشأن :
التفسير :
تفسير ابن كثير ، تفسير
ابن سعدي ، زبدة التفسير للأشقر ،
بدائع التفسير لابن القيم ، أصول التفسير لابن
عثيمين ، لمحات في علوم القرآن لمحمد الصباغ .
الحديث :
صحيح الكلم الطيب ، عمل
المسلم في اليوم والليلة " أو الصحيح
المسند من أذكار اليوم والليلة " ، رياض
الصالحين وشرحه نزهة المتقين ، مختصر
صحيح البخاري للزبيدي ، مختصر صحيح مسلم
للمنذري والألباني ، صحيح الجامع الصغير ،
وضعيف الجامع الصغير ، صحيح الترغيب
والترهيب ، السنة ومكانتها في التشريع ،
قواعد وفوائد من الأربعين النووية لناظم
سلطان .
العقيدة :
فتح المجيد شرح كتاب
التوحيد " تحقيق الأرناؤوط " ،
أعلام السنة المنشورة للحكمي " محقق " ، شرح العقيدة
الطحاوية تحقيق الألباني ، سلسلة العقيدة
لعمر سليمان الأشقر "8" أجزاء ، أشراط
الساعة د. يوسف الوابل .
الفقه :
منار السبيل لابن ضويان مع
إرواء الغليل للألباني ، زاد المعاد ،
المغني لابن قدامة ، فقه السنة ، الملخص
الفقهي لصالح الفوزان ، مجموعة فتاوى العلماء "
عبد العزيز بن باز ، محمد صالح
العثيمين ، عبد الله بن جبرين " ،
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ
الألباني والشيخ عبد العزيز بن باز ،
ومختصر أحكام الجنائز للألباني .
الأخلاق وتزكية النفوس :
تهذيب
مدارج السالكين ، الفوائد ، الجواب الكافي ،
طريق الهجرتين وباب السعادتين ، الوابل
الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيم ،
لطائف المعارف لابن رجب ، تهذيب موعظة
المؤمنين ، غذاء الألباب .
السير والتراجم : البداية و
النهاية لابن كثير ، مختصر الشمائل
المحمدية للترمذي اختصار الألباني ، الرحيق
المختوم للمباركفوري ، العواصم من القواصم
لابن العربي تحقيق الخطيب والاستانبولي ،
المجتمع المدني 1-2 للشيخ أكرم العمري ،
سير أعلام النبلاء ، منهج كتابة التاريخ
الإسلامي لمحمد بن صامل السلمي .
كما أن هناك عدد من الكتب الجيدة
في المجالات المختلفة ، فمنها :
كتب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكتب
العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،
وكتب الشيخ عمر بن سليمان الأشقر ، وكتب
الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم ،
وكتب الأستاذ محمد محمد حسين ، وكتب الشيخ
محمد جميل زينو ، وكتب الأستاذ حسين
العوايشة في الرقائق ، و كتاب الإيمان لمحمد
نعيم ياسين ، والولاء والبراء للشيخ محمد
سعيد القحطاني ، والإنحرافات العقدية في
القرنين الثاني عشر والثالث عشر لعلي بن
بخيت الزهراني ، المسلمون وظاهرة الهزيمة
النفسية لعبد الله الشبانة ، المرأة بين الفقه
والقانون لمصطفى السباعي ، الأسرة
المسلمة أمام الفيديو والتليفزيون لمروان كجك ،
المرأة المسلمة إعداداتها
ومسئولياتها لأحمد أبا بطين ،
مسئولية الأب المسلم في تربية ولده لعدنان باحارث ،
وحجاب المسلمة لأحمد البرازي ، وكتاب
وجاء دور المجوس لعبد الله محمد الغريب ، وكتب
الشيخ بكر أبو زيد ، وأبحاث الشيخ مشهور حسن سلمان .
وغير هذا كثير من النافع الطيب ،
وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر ،
وهناك في عالم الكتيبات أشياء كثيرة نافعة ،
سيطول بنا المقام إذا أردنا السرد ،
فعلى المسلم الاستشارة والتمعن للانتقاء . ومن
يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .
نصيحة " 10 " : المكتبات الصوتية في البيت
المسجل في كل بيت ممكن أن يعمل في
الخير أو في الشر ، فكيف نؤثر في استخدامه ليكون مرضيا لله ؟
من الوسائل لتحقيق ذلك : عمل مكتبة
صوتية في البيت تحوي طائفة من الأشرطة
الإسلامية الجيدة ، للعلماء والقراء
والمحاضرين ، والخطباء والوعّاظ .
إن سماع أشرطة التلاوة الخاشعة من
أصوات بعض أئمة صلاة التراويح مثلا ،
له تأثير عظيم على الأهل في البيت ، من جهة
تأثرهم بمعاني التنزيل ، أو حفظهم من
جراء تكرار ما يسمعون ، وكذلك من جهة حمايتهم
بالسماع القرآني عن السماع الشيطاني
من الألحان والأغاني ، لأن الآذان والصدور لا
يصلح أن يختلط فيها كلام الرحمن بمزمار الشيطان .
وكم لأشرطة الفتاوى من أثر في
تفقيه أهل البيت بالأحكام المختلفة ،[/b:bc23