هذا المقال طويل و لكن ضروري و فيه الكثير من المعلومات التي تحتاجونها, و سيساعد كثيرا في فهم موضوع طبقة الأوزون. نتمنى الفائدة و المتعة.
الأوزون (O3) عبارة عن جزيء غير مستقر نسبيا مكون من ثلاث ذرات من الأكسجين. على الرغم من أنه يمثل جزءا صغيرا من الغلاف الجوي, إلا أنه مصيري جدا من أجل الحياة على الأرض.
تبعا لمكان وجود الأوزون, يمكن له أن يقوم بحماية أو إيذاء الحياة على الأرض. معظم الأوزون يقع في الستراتوسفير (طبقة من الغلاف الجوي تقع في مجال الارتفاع الواقع بين 10 إلى 40 كيلومتر فوقنا), حيث يلعب دور الدرع الذي يحمي سطح الأرض من الإشعاع فوق البنفسجي الناتج عن الشمس. مع استمرار الضعف الحاصل في هذا الدرع, يزداد احتمال تعرضنا لسرطان الجلد, عتمة عدسة العين و الضعف في جهاز المناعة. قريبا من سطح الأرض و ضمن التروبوسفير (طبقة من الغلاف الجوي تمتد من السطح و حتى ارتفاع 10 كيلومتر), يكون الأوزون ملوث مؤذي جدا و يمكن أن يسبب دمارا في أنسجة الرئة و النباتات.
تعتمد قيمة الكمية "الجيدة" للأوزون في الستراتوسفير و الكمية "السيئة" له في التربوسفير ضمن الغلاف الجوي على التوازن القائم بين العمليات التي تخلق الأوزون و تلك التي تُدمره. يمكن أن يؤدي الاضطراب الحاصل في طبقة الأوزون إلى عواقب خطيرة على الحياة في الأرض, و وجد العلماء أدلة على أن تغيرات ما تحصل في مستويات الأوزون – الأوزون التربوسفيري "السيء" يزداد في الغلاف الجوي ضمن الهواء الذي نتنفسه, و الأوزون الستراتوسفيري "الجيد" يتناقص ضمن طبقة الأوزون التي تحمينا. هذه المقال يصف ضبط مستويات الأوزون "الجيد".
توازن الأوزون في الستراتوسفير
في الستراتوسفير, ينشأ الأوزون بشكل أساسي نتيجة للإشعاع فوق البنفسجي. عندما تقوم الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة بصدم جزيئات الأكسجين العادية (O2), تقوم بشطرها إلى ذرات أكسجين منفردة, تُعرف بالأكسجين الذري. تقوم ذرات الأكسجين المتحررة بعد ذلك بالاجتماع مع جزيئة أكسجين أخرى لتشكل الأوزون. يتواجد الأكسجين بكميات كبيرة في الغلاف الجوي, بحيث يتم امتصاص الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة بالكامل ضمن الستراتوسفير.
الأوزون قيّم لدرجة كبيرة طالما أنه يقوم بامتصاص مجال واسع من الطاقة فوق البنفسجية. عندما يقوم جزيء الأوزون بامتصاص حتى الإشعاع فوق البنفسجي منخفض الطاقة, ينشطر الجزيء إلى جزيء أكسجين اعتيادي (O2) و ذرة أكسجين حرة (O). عادة ما تقوم ذرة الأكسجين الحرة هذه بإعادة الاتحاد مع جزيء أكسجين آخر لتشكيل جزيء أوزون جديد. بسبب "دورة الأوزون - أكسجين" هذه, يتحول الإشعاع فوق البنفسجي المؤذي بشكل مستمر إلى حرارة.
إن التفاعلات الطبيعية الأخرى غير "دورة الأكسجين – الأوزون" الموصوفة في الأعلى تؤثر على تركيز الأوزون في الستراتوسفير. لأن كل من الأوزون و ذرات الأكجسين الحرة غير مستقرة بشكل كبير, فإنها تتفاعل بسهولة مع النيتروجين, الهيدروجين, مركبات الكلور و البروم التي تتواجد بشكل طبيعي في الغلاف الجوي للأرض (و التي تنطلق من منابع أرضية و محيطية).
على سبيل المثال, يمكن لذرات الكلور المفردة أن تقوم بتحويل الأوزون إلى جزيئات الأكسجين و هذا الفقدان الحاصل في الأوزون تتم موازنته من خلال إنتاج الأوزون الناتج عن صدم الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة لجزيئات الأكسجين.
بالإضافة إلى الموازنة الطبيعية للأوزون, وجد العلماء أن مستويات الأوزون تتغير بشكل دوري كجزء من دورات طبيعية منتظمة كالتغيرات الفصلية, الرياح و التغيرات طويلة الأمد التي تحصل في الشمس. أكثر من ذلك, ربما تؤدي الثورانات البركانية إلى حقن مواد في الستراتوسفير تؤدي إلى زيادة التدمير الحاصل في الأوزون.
خلال حياة الأرض, قامت العمليات الطبيعية بتنظيم توازن الأوزون الموجود في الستراتوسفير. أحد الطرق البسيطة لفهم توازن الأوزون هو التفكير بسطلٍ مثقوب. مع الاستمرار بسكب الماء ضمن السطل بمعدل يساوي تسربه منه, فإن مستوى الماء في السطل سيبقى صفرا. و بالمثل, مع استمرار نشوء الأوزون عند نفس المعدل الذي يتم تدميره فيه, فإن الكمية الإجمالية للأوزون ستبقى هي ذاتها.
على أية حال, و بدءا من العام 1970, وجد العلماء أدلة على أن النشاطات البشرية أدت إلى الإخلال في توازن الأوزون. أدى إنتاج الانسان للمواد الكيميائية التي تحتوي على الكلور مثل مركبات الكربون الكلورية الفلورية (CFCs), إلى عامل إضافي يساهم في تدمير الأوزون. مركبات الـ CFCs مصنوعة من الكلور, الفلور و الكربون المرتبطة معا. لا تتفاعل جزيئات الـ CFCs بسهولة مع المواد الكيميائية الأخرى ضمن القسم السفلي من الغلاف الجوي لأنها جزيئات مستقرة جدا. أحد القوى القليلة التي يمكنها تحطيم جزيئات الـ CFC هو الإشعاع فوق البنفسجي.
ضمن المناطق السفلية من الغلاف الجوي, تكون جزيئات الـ CFCs محمية من الإشعاع فوق البنفسجي من قبل طبقة الأوزون. و لذلك فإن جزيئات الـ CFC تكون قادرة على الهجرة و الوصول سليمةً إلى الستراتوسفير. على الرغم من أن جزيئات الـ CFC أثقل من الهواء, إلا أن التيارات الهوائية و عمليات الاختلاط الحاصلة في الغلاف الجوي تحملها إلى الستراتوسفير.
حالما تصبح في الستراتوسفير, لا تعود جزيئات الـ CFC محمية على الإطلاق من الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون. تتحطم جزيئات الـ CFC و تُطلق ذرات الكلور جراء تعرضها لقصف شديد من قبل الأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن الشمس. بعد ذلك, تقوم ذرات الكلور الحرة بالتفاعل مع جزيئات الأوزون, لتأخذ ذرة أكسجين منها مشكلةً أحادي أكسيد الكلور و تاركةً ورائها جزيء أكسجين عادي.
إذا ما قامت كل ذرة كلور منطلقة من جزيء CFC بتدمير جزيء أوزون واحد, ستُشكل جزيئات CFC خطرا صغيرا جدا على طبقة الأوزون. على أية حال, عندما يصادف أحادي أكسيد الكلور ذرة أكسجين حرة, تقوم ذرة الأكسجين بتحطيم أحادي أكسيد الكلور, سارقة منه ذرة الأكسجين و محررة ذرة كلور من جديد في الستراتوسفير لتعمل بدورها على تدمير الأوزون بشكل أكبر. هذا التفاعل يحصل مرارا و تكرارا, الأمر الذي يسمح لذرة كلور منفردة أن تلعب دور المحفز, و تقوم بتدمير العديد من جزيئات الأوزون.
لحسن الحظ, لا تبقى ذرات الكلور إلى الأبد في الستراتوسفير. عندما تتفاعل ذرة كلور حرة مع غازات مثل الميتان (CH4), ترتبط حينها بذرة هيدروجين لتشكل جزيء HCL, الذي يهبط إلى الأسفل من الستراتوسفير و صولا إلى التربوسفير حيث يمكن جرفه بواسطة الأمطار. لذلك, إذا قام البشر بالتوقف عن إطلاق الـ CFCs و المواد الكيميائية الأخرى المدمرة للأوزون إلى الستراتوسفير, سوف تقوم في النهار