بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تخشع في صلاتك ؟ .. بقلم ازهر اللويزي
إن الرجل ليشيب عارضاه في الاسلام وما قبلت منه صلاة قيل وكيف ذلك ؟ .
قال : لا يُتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل . _ عمر بن الخطاب
فحديثي لكم احبتي عن الخشوع الذي يعتبر روح الصلاة فكما ان الروح حياة الجسد فالخشوع هو روح الصلاة ، فمن لا خشوع له في صلاته فهو كجثة هامدة بلا روح ؟ .
فلما نتكلم عن الخشوع لابد وأن أذكر لكم ما أجمع عليه العارفون على أن (الخشوع) محله القلب وثمرته على الجوارح وهي تظهره .
قال الله تعالى : " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون " 1_2 _ سورة المؤمنون
يصف الباري عز وجل عباده المؤمنين بالفلاح في كلا الدارين الدنيا والآخرة لما تحققت فيهم سلسلة من الصفات النبيلة الزاكية اللامعة وبدأ بأولها وهي ثمرة الصلاة ألا وهي الخشوع .
فحينما يتذلل العبد بين يدي ربه عز وجل بخضوع وإنكسار ويستشعر رهبة الموقف بين يديه فيمتلىء قلبه رهبة وتعظيماً له سبحانه .
وأنت تقرأ لهذه الآية الكريمة وكأنها ترسم لك صورة العبد الذي إنقطع عن كل ملذات الدنيا الفانيلة اللاهية الزائلة واتصل بخالقه فتغشى روحه جلال الله وعظمته فسرى الخشوع الى جواره وملامحه وحركاته وسكناته وقلبه وكل عضو من أعضائه .
وهذا يذكرنا بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يركع يقول : " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي " . رواه الترمذي
فالخشوع محله القلب ويسري أثره ونوره وسكينته على الجوارح ، فليس هو طأطأت رأس ولا إنحداب ظهر ولا نحول جسم فهذا الخليفة عمر بن الخطابب رضي الله عنه يرى شاباً قد نكس رأسه فقال له الفاروق : يا هذا إرفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب .
فالخشوع خشوع القلب والجسد معاً لا خشوع الجسد فقط أو خشوع الصورة والمظهر فلا تكن إزدواجياً وهذا ما حذر منه الصحابي الجليل ابو الدردراء رضي الله عنه حينما قال : أعوذ بالله من خشوع النفاق ؟ .
قالوا وما خشوع النفاق ؟ .
قال : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع ! .
ولا يوهمنك أحد ويخدعك بطأطأة رأس وإظهار تخشع وتمايل جسد بل الخشوع كما ذكرت لك في القلب ويسري إشعاعه على الروح والجسد والفكر وهذا ما قال الشاعر :
ودع الذين إذا أتـوك تنسَكوا .. .. وإذا خلوا فهم ذئاب خراف
وأرجو أن تكون قد أدركت معنى الخشوع وأهميته وملامحه وقداسته .
فإذا أردت الخشوع في الصلاه فعليك أن تزيل الأقفال التي على قلبك ، والأقفال التي على القلب لا تُزال إلا بالتدبر لآيات الله وإخراج الدنيا من القلب وجعلها في اليد والإقبال على الدار الآخرة والمسارعة في التوبة والسعي الدائم في كسب الحسنات وصنائع المعروف .
فالخشوع نوعان : خشوع نبحث عنه ونحث أنفسنا ونجاهدها من أجل تحصيله والمداومة عليه وهذا خشوع العابدين المخبتين في الدنيا فقد أتوا به طواعية ورغبة .
أما خشوع الآخرة فتُرغم عليه الأنفس ويُرهبها ويذهلها هول الموقف وعظمه وخطره فتخشع الأنفس فلا تنطق بكلام إلا بطريقة الهمس وهي صورة يرسم مشهدها القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى : " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً " . 108_ سورة طه
صور مضيئة من حياة الخاشعين تعالوا نتأملها لتعلم منها كيف نخشع ؟ :
الصورة الاولى : سئل حاتم الأصم رحمه الله وهو أحد أعلام القرن الثالث الهجري كيف تخشع في صلاتك ؟ .
قال : بأن أقوم فأكبر للصلاة .. وأتخيل الكعبة أمام عيني والصراط تحت قدميّ والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي وأن رسول الله يتأمل صلاتي وأظنها آخر صلاة ..
فأكبّر الله بتعظيم وأقرأ بتدبر وأركع بخضوع وأسجد بخشوع وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته ثم أسلم ولا أدري أقبلت أم لا ! .
الصورة الثانية : كان علي بن الحسين رضي الله عنهما الملقب بالسجاد إذا توضأ اصفّر لونه فقيل له : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟ .
قال : أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ؟ .
الصورة الثالثة : كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما الصحابي الجليل إذا قام في الصلاة كأنه عود ، من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع نخلة أو شجرة .
هذه صور تُعيننا في فهم الخشوع وكيفة تطبيقة من اُناس ليسوا بأنبياء لكنهم أحسنوا الخشوع والتذلل للباري عز وجل فحسب قاعدة التنمية الشهيرة ما هو ممكن لغيرنا ممكن لنا ، فلا عُذر لنا بالتقصير والتفريط بالخشوع لله تعالى .
وفي زمننا المادي وعصر الانكباب على الدنيا والانهماك في حصد اللذائذ نجد أحدنا يصلي لا يعرف كم صلى ؟ وسجود السهو يلاحقنا ليجبر ما قد أخللنا به .
فالبعض منا جسده في الصلاة وروحه وفكره شارد وساهٍ في متاهات الدنيا اللامتناهية فما إن سلم من صلاته لا يذكر ماذا قرأ وكم ركع ؟ .
وصدق الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما قال : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع .
وإذا أردت أن تعرف ما لك من صلاتك فسل نفسك عن حضور قلبك فيها ، مع حسن وضوئها وإتيان أركانها وسننها .
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها " . أخرجه النسائي
وقد اكتشف العلماء أنه في حال الوصول لدرجة الخشوع في الصلاة يفرز الجسم هرمون الأندروفين والذي يعادل 6 حبات مورفين والمعروف بمعالجة الإكتئاب !! .
وقبل أن نفترق أهمس لك همسة الوداع بأن الخشوع هو إفتقار الى الله وبعدٌ عن المراءاة وتجريد لرؤية الفضل .