يرى ماكيافيلي Machiavel أن التجارب اليومية تؤكد أنه على الرغم من مدح الناس للأمير العادل، فإن عظمة الحكام ترجع إلى استعمالهم لأساليب المكر والخداع. ومن ثم ينصح هذا المفكر كل أمير بضرورة الجمع بين القانون واستعمال القوة والعنف، فلا حكم إلا لمن يستطيع الجمع بين القوة، والمكر، والخداع. فعلى الحاكم بالتالي أن يكون قادرا على خيانة الأمانة ونقض العهود، خاصة عندما لا يخدم الوفاء مصلحته أو عندما تنتهي أسباب ودواعي إقامة تلك العهود. فرعاية الأمانة أمر لا يستقيم إلا مع رعية مكونة من الأخيار، وبما أن ذلك ليس هو حال الناس فلا مناص من لجوء الحاكم إلى ما سبق ذكره. بل إن ماكيافيلي، ينصح الحاكم (الأمير) بأن يجيد أساليب التمويه والخداع حتى لا يفتضح أمره، خصوصا وأن سذاجة الرعية تجعلهم ينقادون بسهولة نحو الانخداع...
وفي مقابل ذلك، يرى ابن خلدون أن السلطة السياسية يجب أن تتأسس على الاعتدال، والرفق بالرعية. فهذه الأخيرة لا يهمها من الحاكم لا صفاته الجسمية ولا قدراته العقلية. إن الرعية تهتم فقط بما يمكن أن يلمسوه من تأثير الحكم على حياتهم: فإذا تأسس الحكم على الاستبداد والتربص بالرعية، فعلى الحاكم أن يتوقع خذلان رعيته عند حاجته إليها. وفي المقابل، إذا كان حليما، وعطوفا، تناسوا سيئاته وأحبوه.
أما ألان تورين A. Touraine فيعتقد أن السلطة السياسية ترتبط عضويا بقوة النظام الديمقراطي. هكذا يؤمن بأن قوة الديمقراطية رهينة باحترام الحقوق المدنية والاجتماعية. فالديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يسمح بتشكل الفاعلين الاجتماعيين، ويتيح لهم فرص المشاركة الحرة. ذلك ليبين أن هدف الديمقراطية لم يعد يتمثل في مواجهة نمط جديد من الممارسات التي تتبنى الحداثة، وتحتمي بالشعب، لكنها لا تتيح للناس أي فرص للمبادرة الحرة. لذا أصبحت الديمقراطية مضطرة لمحاربة الأنظمة العسكرية الاستبدادية، علاوة على محاربة الأحزاب الكليانية. خصوصا وأن هناك من يستغل مفاهيم الديمقراطية، إما لخلق أنظمة استبدادية أو للعمل على استنبات ممارسات اقتصادية فردانية تقوم على اقتصاد السوق وتدفع نحو تعفن الدولة... ليستنتج ألان تورين، أن أساسيات النظام الديمقراطي تتمثل في الاعتراف بالحقوق الاجتماعية، وشرعية القيادات، والشعور بالمواطنة..
إن المقارنة بين التمثلات السابقة نبين أن بعضها يدعو إلى المحافظة على كرامة الإنسان بينما يدعو البعض الآخر إلى غياب الأخلاق في الممارسة السياسية. وكيفما كان الحال فلا يمكن لأي أحد أن ينكر أن جميع الدول تضطر إلى اللجوء إلى أشكال من الزجر والإكراهات المادية والبدنية، وذلك ما يسمح لنا بالتساؤل حول علاقة الدولة بالعنف. ومن ثم التساؤل: إلى أي حد نستطيع أن نسمي تلك الإكراهات عنفا؟