السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحب في الله:
أقوى ما يجمع المؤمنين العقيدةُ التي تُقِرُّ بوحدانية الله تعالى، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ما ينبثق عنها من أعمال وأخلاق وقيم، وهي قواسم مشتركة بين المؤمنين وإن تناءت ديارهم، وتفرقت أوطانهم، واختلفت أرحامهم، وما يجمع المؤمنين هنا لا يفرقه شيء، ولا يؤثر فيه مؤثر من بياض أو سواد، أو حزب أو جماعة، أو بلد أو عرق، أو ذكورة أو أنوثة، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وولاؤهم لله وللإسلام والمسلمين، يجتمعون على طاعة الله، ويفترقون على ذكره وتعظيمه، وهذا الأمر يزرع بينهم المودة والرحمة، ويؤلف بين قلوبهم حتى كأنهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة، وهذه المعاني القلبية العاطفية المجتمعة على تلك المبادئ الربانية الخالدة تؤسس لمجتمع كامل كأنه المدينة الفاضلة التي تخيلها الفلاسفة، ولم يَرَوْها على أرض الواقع، ونصوص الشريعة تجعل للحب الناشئ تحت مظلة الإيمان قيمة كبرى وسبب لرضى الرحمن ودخول الجنان، يقول عليه السلام: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...وذكر منهم: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)، ويقول: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)..
ومحبة المسلم لأخيه المسلم سبب في حب الله له يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وجبت محبتي للمتحابين فيّ...)، وفي الحديث الآخر: (زار رجل أخا له في قرية، فأرصد الله له مَلَكا على مدْرَجته؛ فقال: أين تريد؟ قال: أخا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته).
ولإشاعة هذه المحبة بين المؤمنين أمرنا عليه السلام بالتحدث بها لمن نحب، فقال :(إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه، فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة)، وفعل ذلك بنفسه فأخبر أصحابه بحبه لهم، ومن أمثلته قوله لمعاذ: يا معاذ إني أحبك ...بل أحب أمته جميعا ... حتى من لم يكن معاصرا له، وود لو أنه رأى أحبته هؤلاء فقال: ودِدْت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد... ومن آثار هذا الحب أنه يوم القيامة إذا قال الخلق أجمعون : نفوسنا ... قال عليه السلام: أمتي، أمتي ..
ومن البشائر النبوية التي يطرب لها الفؤاد وتهتز لها الروح ما رواه أبو مالك الأشعري، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء، والشهداء بقربهم من الله يوم القيامة "، وقام في ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، فقال: حدِّثنا يا رسول الله عنهم من هم؟، قال: فرأيت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم البِشْر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هم عباد من عباد الله، من بلدان شتى، وقبائل شتى، من شعوب القبائل لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابُّون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورا، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون"...
فاللهم ازرع محبة المؤمنين في قلوبنا واجعلنا من أهلها يا رب العالمين.. آمين