مع سورة الإخلاص (1)
فاستجابةً لنداء الله لعباده المؤمنين وأمره بتدبر القرآن الكريم كما قال -تعالى-: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82]، وخروجا من قول الرسول الكريم -عليه وعلى آله الصلاة والسلام- حينما يشكو لربه -جلَّ وعلا- من هجران أمته للقرآن الذي أُنزل عليه: ((وقال الرسول يرب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)).
نعيش مع سورة من أعظم سور القرآن، إن لم تكن هي أعظمها، مع سورة تعدل ثلث القرآن، مع سورة جاءت ردًا على المشركين حينما قالوا للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- انسب لنا ربك، مع سورة أدخلت الذي أحبها الجنة وكانت سببا لمحبة الرحمن -جل وتبارك- له، مع سورة قال عنها وعن سورتين غيرها -عليه وآله الصلاة السلام-: ((وما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط))، إنها سورة الإخلاص.
ورد في سبب نزولها ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده عن أبيّ بن كعب: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]. أحبها رجل فأكثر من قراءتها؛ فأحبه ربه ؛ لأن ربنا -تقدس في علياءه- يحب المدح، روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سَريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "سلوه: لأيّ شيء يصنع ذلك؟". فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أخبروه أن الله تعالى يحبه".
اللهم إنا نسألك حبك، وكانت هذه السورة سببًا في دخول رجلٍ الجنة، ففي صحيح البخاري -رحمه الله- عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رجل من الأنصار يَؤمَهم في مسجد قُبَاء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ حتى يَفرُغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة. فكلَّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتَقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يَرَونَ أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يَؤمهم غيره. فلما أتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه الخبر، فقال: "يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟" قال: إني أحبها. قال: "حُبك إياها أدخلك الجنة".
ولعظمتها عدلت ثلث القرآن العظيم؛ ففي البخاري عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رجلا سمع رَجُلا يقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : "والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن".
أيها العبد المؤمن! ألا تريد بيتا في الجنة!؟ اسمع هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد: عن معاذ بن أنس الجهني، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ حتى يختمها، عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة". فقال عمر-أي: ابن الخطاب-: إذن نستكثر يا رسول الله. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكثر وأطيب". وورد عند النسائي -رحمه الله- أنها فيها سببًا لاستجابة الدعاء، فعن بُرَيدة: أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد فإذا رجل يصلي، يدعو يقول: اللهم، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. قال: "والذي نفسي بيده، لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب".
أيها المسلم! سنقف -بإذن الله- على شيء من معانيها؛ لأن كثيرًا منا يقرؤها وقد لا يفهم معناها، وسيكون هذا في اللقاء القادم -إن شاء الله-.
جعلنا الله ممن يتدبر كتابه،،