سورة الكافرون
*هدف السورة*
سورة مكيّة وهي سورة التوحيد والبراءة من الشرك والضلال وقد نزلت بعد أن طلب كفار قريش من الرسول r أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون إلهه سنة وفيها قطع لأطماع الكافرين وفصل النزاع وأن هذا الدين دين الحق وليس فيه مهادنة (قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد*) إما أن يتبعوه فينجوا وإما يعرضوا عنه فيلقوا العذاب الأليم في الآخرة ( لكم دينكم ولي دين).
**من اللمسات البيانية فى السورة**
*فى سورة الكافرون، ما دلالة الزمن في الآيات؟ وما دلالة تكرار (ولا أنتم عابدون ما أعبد)؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ السورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) الملاحظ أنه بالنسبة أنه نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالحالتين الإسمية والفعلية فقال (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) أعبد فعل مضارع و (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) عابد إسم، وبالنسبة لهم نفى عنهم عبادة ما يعبد بالإسمية وحدها فكرر (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)مرتين. ونلاحظ أيضاً أنه نفى بالفعل الماضي والمضارع (لا أعبد ما تعبدون) (مضارع)، (ولا أنا عابد ما عبدتم) (ماضي)) إذن نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالإسمية والفعلية والماضي والمضارع الذي هو الحال والاستقبال، ونفى عنهم بالإسمية فقط (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). الآن اتضحت لها صورتان ما نفاه عن نفسه الإسمية والفعلية والماضي والحال والاستقبال، ما نفاه عنهم الإسمية ونحن نعرف أن الإسمية تفيد الثبوت والفعل يفيد الحدوث والتجدد إذن هو نفى عن نفسه عبادة ما يعبدون بالحالة الثابتة والمتجددة، في الماضي (عبدتم) والحال والاستقبال (تعبدون)، ونفى عنهم عبادة ما يعبد بالجملة الإسمية أي في حالة الثبات(عابدون)، هو نفي عن نفسه الإسمية الثابت والفعلية المتجدد والماضي والحال والاستقبال نفى عن نفسه كل شيء ممكن وهم الحالة الثابتة معناها أن إصراره على عبادته ودينه أقوى من إصرارهم لأنه نفاها في كل الحالات الثابتة والمتجددة والماضي والحال المستقبل وكل الحالات فهو أقوى. (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) قد يقال عابدون هي أيضاً دائمة والإسم صحيح أنه يفيد الثبات والدوام وكررت لكن ليس بالضرورة أن الإسم يدل على الحال الدائمة مطلقاً، يعني لما تقول هو جواد هذا إسم يعني كريم لكن هل هو هكذا في كل الأوقات وفي كل الساعات؟ ألا ينام في الليل؟ هذا على التغليب، في غالب الأمر الحالة الثابتة. أو هو حليم أي لا يغضب؟! رحيم أي لا يعاقب؟! إذن قد تنفك عنه الحالة. لكن بالنسبة للرسول r هو الحالة الثابتة والمتجددة لن تنفك وإذا انفكت فأيضاً إلى عدم العبادة الفعل والإسم. يعني الحالة الثابتة عدم عبادة ما يعبدون والمتجددة أيضاً عدم عبادة ما يعبدون. إذا انفكت حالتهم وقد تنفك لا يعبد ما يعبدون. أيضاً هذه مناسبة لمّا قال (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الكافرون جاءها بالصفة الإسمية فنفى الوصف أيضاً بالصفة الإسمية (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) لم يقل الذين كفروا فلما جاء الوصف بالإسمية جاء وصف العبادة بالإسمية إذن كل تعبير له غرض.
*قال تعالى في سورة الكافرون (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3))لا أعبد (فعل) للرسول ثم ولا أنا عابد (إسم) وللكافرين (ولا أنتم عابدون ما أعبد) هل لهذا أثر في المعنى؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكافرون (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}). النفي في حقّ الرسول عليه الصلاة والسلام ورد مرتين ونُفي في حالتين: الأولى نفى عن نفسه عبادة ما يعبد الكافرون بالجملة الإسمية والفعلية والفعل جاء بصيغة الماضي (ولا أنا عابد ما عبدتم) مرة والمضارع مرة أخرى(لا أعبد ما تعبدون) ) أما في حقّ الكافرين فجاء النفي في الجملة الإسمية فقط في قوله (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وهذا يدل على إصرار الرسول عليه الصلاة والسلام وإيمانه بعقيدته أكبر وأثبت من إصرار الكافرون. وقد نفى الله تعالى عن الكافرين العبادة بالجملة الإسمية للدلالة على الثبوت ونفاها عن الرسول بالجملة الفعلية والإسمية دليل على إصراره على عبادة ربه على وجه الدوام وبالحدوث والثبوت وفي الحال والماضي. يدخل ضمن القاعدة اللغوية (لا أعبد ما تعبدون) نفى عنه عبادة ما يعبدون بالصيغتين الاسمية والفعلية بالحالة المتجردة (لا أعبد) والثابتة (عابد) لأنه أحياناً الانسان قد يكون على حالة ثابتة لكن قد يخرج عنها أحياناً لكن تكون الصفة الغالبة عليه. إذا قلنا كريم لا يعني أنه كريم طيلة أربع وعشرين ساعة. بالنسبة للرسول r إذا خرج من الحالة الثابتة يكون في الحالة المتجددة التي نفى تعالى عنه العبادة للأوثان فيها، لكن بالنسبة للكافرين نفى عنهم حالة الثبات واو لاحظنا الفعل (تعبدون) في الحال والمستقبل و(عبدتم) في الماضي استوفى كل الأزمنة الماضي والحال والاستقبال .
بالنسبة للرسول r نفى عنه عبادة ما يعبدون في الماضي والحال والاستقبال الثابتة والمتجددة بينما هم نفى عنهم (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الحالة الاسمية فبقاؤه r على عقيدته أقوى وأثبت وأدوم من بقائهم على عقيدتهم.
وجاءت الجملة الإسمية لأنه جاء إسمهم (قل يا أيها الكافرون) فجاء النفي بالجملة الإسمية لأنه جاء تعريفهم بالإسم (الكافرون).
* ما دلالة التكرار في سورة الكافرون؟(د.فاضل السامرائى)
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) نلاحظ أمرين بالنسبة للنفي عن عبادة ما يعبدون ونفيهم هم عن العبادة. (ولا أنتم عابدون) نفي عنهم. هو r نفى عن نفسه حالتين: الإسمية والفعلية، الفعلية (لا أعبد ما تعبدون) ثم نفى بالإسمية (ولا أنا عابد ما عبدتم) عابد إسم فاعل. إذن نفى عنه عبادتهم بالإسمية والفعلية وبالماضي (ما عبدتم) والمضارع (ما تعبدون). إذن نفى عنه العبادة بالاسمية والفعلية الثابتة والمتجددة الماضية والمستقبلية لأن الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث، إذن هو نفى العبادة عن نفسه في الحالة الثابتة والمتجددة الماضية والمستقبلية أما هم فنفي العبادة عنهم حالة واحدة (ولا أنتم عابدون ما أعبد) إذن هو أقوى في النفي لأنه نفى كل الحالات الثابتة والمتجددة والماضية والمسقبلية وهو أدلّ. هم قالوا (عابد) إسمية ولما وصفهم وصفهم بالإسمية (يا أيها الكافرون) نفى عنهم العبادة بالإسمية ولما وصفهم بالإسمية قال (يا أيها الكافرون) فناسب بين الوصف والنفي. لما قال (الكافرون) هذا إسم ولما نفى العبادة قال (ولا أنتم عابدون ما أعبد) هذه صفتهم هم. هو ذكر الحالة الثابتة والمتغيرة ولا تكفي فقط نفي الحالة المتغيرة لا أعبد ما تعبدون، إذن هذا ليس تكراراً. مفهوم التكرار هو إعادة نفس الكلمة والتكرار قد يكون للتوكيد والتكرار ليس دائماً سيئاً إلا إذا كان من لغو الكلام الذي لا يعد بليغاً. القرآن له خصوصية في الاستعمال لا بد أن نقف عنها.
*ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟(د.فاضل السامرائى)
في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته. (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه. (ما) تقع على صفات أولي العلم جميعاً حتى قسم من النُحاة أدق لا يقولون العقل لأن الله تعالى لا يوصف بالعقل ولا يصق نفسه أنه العاقل وإنما العالِم، فيقول النحاة لذوي العلم وذوات غير العاقل. في سورة الليل قال تعالى (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) ما أعبد هو الله تعالى،(وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)) الأصنام غير عاقلة و(ما) تستعمل لذوات غير العاقل وتستعمل لصفات العقلاء.
(من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز. في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن. أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) لذي العِلم.
*لم الاختلاف فى الفاصلة القرآنية : في سورة الكافرون قال تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) وفي سورة الزمر (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) ذكر الياء ولم يحذفها مع أن فواصل سورة الزمر شبيهة بآيات الكافرون؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه الآية تختلف عما قبلها وما بعدها (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) وبعدها قال (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)) الذي قبلها وبعدها يختلف ولا فرق بينها وبين سورة الكافرون إنما على نسق واحد ومع أن الكلمة نفسها ديني ودين وكلتاهما فيه ياء المتكلم أحدهما محذوف والأخرى غير محذوفة وفواصل الآيات متشابهة ما قبلها وما بعدها مثل آية الكافرون. أولاً ننظر في سياقها وهنالك عدة أمور سببت في ذكر وحذف ياء المتكلم هنا وهناك: نلاحظ أن الكلام على الدين في آية الزمر أطول أما في الكافرون فهي آية واحدة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) هذه الآية الوحيدة في ختام السورة، الكلام في الزمر أطول وأكثر فيما يتعلق بالدين قال تعالى (مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ، مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي) حتى سورة الزمر من البداية تتكلم عن الدين (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)) إذن الكلام على الدين وجو السورة وسياق الآيات أكثر في الكلام على الدين، هذه آية واحدة وهذه آيات متعددة قبلها وبعدها حتى في أول السورة ذكر هذا الأمر، هذا أولاً فإذن الكلام أطول على الدين في سورة الزمر و(ديني) أطول من (دين) لذا ناسب أن يذكر (ديني) في سورة الزمر من حيث الطول هذا أولاً. ثم نأتي للسمة التعبيرية وقلنا في أكثر من مناسبة أن هنالك سمة تعبيرية للسياق أو للسورة ولو نظرنا إلى ضمير المتكلم في سياق آية الزمر وضمير المتكلم في سياق سورة الكافرون سورة الكافرون كلها فيها سبعة ضمائر للمتكلم (لا أعبد مرتين، ولا أنا، عابد (فيها ضمير مستتر)،) فيها سبع ضمائر، الثلاث آيات في سورة الزمر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) فيها ثلاثة عشر ضميراً أما الكافرون ففي السورة كلها سبع ضمائر، هذه الآيات الثلاث فيها ثلاثة عشر ضميراً (إني، أُمرت، أعبد، مخلصاً، وأُمرت، أكون، إني، أخاف، عصيت، ربي، أعبد، مخلصاً، ديني) هذه سمة تعبيرية، تقريباً ضعف الضمائر في سورة الكافرون فذكر الياء مع السمة التعبيرية للسياق، هذا أمر آخر. من ناحية أخرى سورة الكافرون هي ترك للعبادة (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5))إذن هي متاركة وترك العبادة أما الزمر فهي في العبادة والأمر بالعبادة وليس لترك العبادة (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)). في الكافرون ترك العبادة وهنا إثبات العبادة والأمر بها، أيها الأيسر الترك أو العمل؟ ترك الصلاة أو الصلاة؟ الأيسر ترك الصلاة لأن العبادة أشق (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ (65) مريم)، ترك الصيام أيسر من الصيام والحذف أخف من الذكر فمع المتاركة الخفيف حذف ومع الثقيل والمشقة ذكر. هذه الظاهرة إسمها مناسبة الشيء للحدث. هذا مقتضى الحال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال. النفي هو عدم حصول الشيء (لا أعبد) إذن سورة الكافرون هي نفي أما الزمر فهي إثبات أو أمرٌ بالإثبات (فاعبد الله) إذن الكافرون هو نفي للحدث أما الزمر فهي إثبات أو أمر في الإثبات فأثبت الياء لما صار إثبات وحذفها لما صار عدم ذكر ونفي.
يجوز في اللغة أن يقول في سورة الكافرون (ولي ديني) لكن نحن نتحدث عن البلاغة وعن المناسبة، لماذا حذف ولماذا اثبت هذه مراعاة لمقتضى الحال هي ليست فقط مسألة تناسب صوتي مع أنه موجود لكن أحياناً يغاير التناسب الصوتي ما قبلها وما بعدها. المشركون كانوا يفهمون أكثر مما نفهم قطعاً ويعلمون أكثر مما نعلم ولذلك هم نأوا عن الإتيان بمثل سورة الكافرون أو الكوثر أو غيرها مع أن الله تعالى تحداهم بسورة وهم نأوا عن ذلك.