ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ
مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن
ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } المائدة 90 -91
يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها
رجس. { فَاجْتَنِبُوهُ } أي: اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الفلاح لا يتم
إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر
وهـي : كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره، والميسر، وهو : جميع
المغالبات التي فيها عوض مـــن الجانبين ، كالمراهنة ونحــوهـــا ،
والأنصاب التي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من
دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها
وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها . فمنها :
أنها رجس، أي: خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسا .
والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها .
ومنها : أنها من عمل الشيطان ، الذي هـو أعدى الأعداء للإنسان .
ومن المعلوم أن العدو يحذر منه وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا
الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه ، فإنها فيها هلاكه ، فالحزم
كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منها، والخوف
من الوقوع فيها .
ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز
بالمطلوب المحبوب ، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة
من الفلاح ومعوقة له .
ومنهـا : أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس ، والشيطان
حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين
العداوة والبغضاء .
فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء
بينـه وبين إخوانه المؤمنين ، خصـوصـا إذا اقترن بذلك من السباب
ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل . وما في
الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة،
ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء .
ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن
الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر ،
يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال
بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو .
فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها ، وتجعلــه مــن
أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد
البهيمة الذليلة لراعيها ، وتحول بين العبد وبيــن فلاحه ، وتــوقـــع
العداوة والبغضاء بين المؤمنين ، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ؟
"فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟" ولهذا عرض تعالى على
العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله : { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }
لأن العاقل - إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد - انزجر عنها وكفت
نفسه ، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ .
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
( ص 243 ) للشيـــخ عبد الرحمن السعـدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ